
في الوقت الذي يواجه فيه اليمنيون أسوأ أزمة معيشية في تاريخهم الحديث، تكشف المعطيات والشهادات الميدانية عن حجم الفساد الاقتصادي الممنهج الذي تمارسه ميليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها، حيث تحوّلت من جماعة مسلحة إلى سلطة جباية وابتزاز تمتص موارد الدولة، وتنهب أموال المواطنين، وتكدّسها في خزائن قياداتها، بينما يرزح الشعب تحت خط الفقر ويصارع الجوع والمرض.
من أبرز صور الفساد الحوثي ما يُسمّى بظت "الخُمس" وهو استقطاع 20 في المائة من دخل التجار والمزارعين والمواطنين، حتى الأشد فقراً منهم، بزعم أنه «حق شرعي» لسلالة محددة. لكن الواقع يكشف أن هذه الأموال تُحوَّل مباشرة إلى حسابات قيادات المليشيا، وتُستخدم في تمويل أنشطتها العسكرية والطائفية، فيما يُتّهم من يعترض أو يرفض الدفع بأنه "يعارض الدين" وهذا الإجراء، الذي أعاد إلى الأذهان ممارسات الإقطاع العتيقة، أتاح للمليشيا السيطرة على مليارات الريالات سنوياً، دون أي أثر إيجابي على الخدمات أو المعيشة.
تكشف معلومات موثوقة أن قيادات الصفين الأول والثاني في الجماعة تتقاضى مكافآت ورواتب شهرية بملايين الريالات، وتعيش في ترف فاحش، بينما لا يتجاوز ما يحصل عليه المقاتل اليمني في الجبهات ما يكفي لشراء وجبة واحدة يومياً. وفيما تُرسل هذه الميليشيا أبناء الفقراء إلى محارق الحرب برواتب هزيلة، يتمتع أبناء القيادات الحوثية بتعليم في أرقى الجامعات الخاصة داخل وخارج البلاد، ورعاية صحية فاخرة.
حوّل الحوثيون أزمات اليمن المعيشية إلى فرصة استثمارية مربحة، فافتعلوا نقص المشتقات النفطية ورفعوا أسعارها في السوق السوداء إلى أضعاف السعر الرسمي، ليجنوا مليارات من معاناة المواطنين. ولم يقف الأمر عند الوقود، بل امتد إلى تجارة الغاز والمواد الغذائية والمياه، حيث يحتكرون الإمدادات ويتحكمون بأسعارها. كما وثقت منظمات إنسانية نهب المساعدات الغذائية وبيعها في الأسواق، ما حرم مئات الآلاف من الأسر المحتاجة من حقها في الإغاثة.
تحت غطاء ما يسمّى بـ"الحارس القضائي"، استولى الحوثيون على مئات المنازل والمزارع والشركات والمستشفيات، إضافة إلى عقارات خاصة بمواطنين معارضين أو حتى محايدين. وتقدّر مصادر اقتصادية قيمة الأصول المصادرة بأكثر من 3 مليارات دولار، جرى تحويلها إلى مشاريع استثمارية مملوكة لقيادات حوثية أو أقاربهم، في أكبر عملية نهب منظم لممتلكات اليمنيين في التاريخ الحديث.
لم يكتفي الحوثيون بالجبايات المحلية، بل توسعوا إلى أنشطة غير مشروعة تشمل تهريب العملة الصعبة من شركات الصرافة والبنوك، وبيعها في الخارج، ما فاقم انهيار الريال وأشعل موجات الغلاء. كما تشير تقارير استخباراتية إلى تورطهم في تجارة المخدرات والممنوعات، مستنسخين نموذج "اقتصاد الكبتاغون" في سوريا، وغسل عائداتها لتمويل عمليات عسكرية، وشراء ولاءات سياسية خارج اليمن.
الممارسات الحوثية لم تقتصر على الداخل، بل امتدت إلى البحر الأحمر، حيث نفذت المليشيا هجمات على السفن التجارية، ما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة على شركات ومؤسسات مالية، وهروب الاستثمارات الأجنبية، وإغلاق ممرات تجارية حيوية و هذه الأعمال، التي وصفتها مصادر ملاحية بأنها «إرهاب اقتصادي»، عمّقت عزلة اليمن، وحولت موانئه ومطاراته إلى أهداف مدمرة وغير صالحة للنشاط التجاري، فيما خسر آلاف اليمنيين وظائفهم.
في ظل كل هذا النهب، يعيش المواطن اليمني مأساة يومية من خلال الرواتب المنقطعة منذ سنوات وأسعار تتصاعد بلا توقف وخدمات صحية وتعليمية منهارة، وانعدام للأمن الغذائي. ومع ذلك، تواصل الميليشيا فرض المزيد من الجبايات، تحت مسمى المجهود الحربي وتموييل الفعاليات الطائفية لتضمن استمرار تدفق الأموال إلى قلة من المتنفذين، بينما ملايين اليمنيين يعيشون بالمجاعة.
لقد بات الفساد الاقتصادي الحوثي ليس مجرد انحراف إداري أو فساد مالي، بل هو بنية ممنهجة لإدارة موارد الحرب وتمويلها، قائمة على استنزاف الشعب وتحويل المعاناة إلى ربح سياسي ومالي للجماعة. وفي ظل غياب أي مساءلة أو ضغط دولي جاد، يظل اليمنيون هم وحدهم من يدفعون ثمن هذا الفساد الذي يخنق كل أمل في التعافي أو الاستقرار